في 22 نيسان/ أبريل 2024، في اليوم الـ198 على بدء العدوان على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، توجهت أنظار الناس إلى جامعة كولومبيا، حيث احتل الطلاب الساحة الخارجية للحرم، ونصبوا الخيام، وأعلنوا العصيان والاعتصام داخلها حتى تحقيق المطلب الأساسي، وهو سحب استثمارات الجامعة من الإبادة الجارية في غزة. وبعد رفض الطلاب إخلاء الحرم الجامعي، قررت رئيسة الجامعة المصرية الأصل، نعمت شفيق، إرسال قوات الشرطة ضدهم، والتي قمعت واعتقلت المئات ما تسبب في ردة فعل سريعة جداً لدى بقية الحركة الطلابية في أميركا الشمالية. وانتشرت حالة تمرد مثل النار في الهشيم في جامعات أُخرى في أميركا الشمالية، مثل نيويورك (New York University)، وييل (Yale University)، وهارفرد (Harvard University)، وميشيغان (University of Michigan)، وغيرها؛ إذ قامت حركات طلابية باحتلال الأحرام الجامعية وإعلانها "مساحة محررة" ("Liberated Zone"). وفي ذروة المرحلة، شارك حوالي 100 ائتلاف طلابي من حركات طلابية مختلفة في الولايات المتحدة وخارجها، في كندا وإنكلترا وإسبانيا وإيطاليا ودول أُخرى التحق فيها الطلبة بالحراك، في نصب خيام في الأحرام الجامعية، وإنشاء ما سمي بـ "الجامعة الشعبية لغزة" (The People's University for Gaza). ولم يكن هذا التحرك وليد اللحظة، وإنما هو انفجار لجهود تراكمية منذ 7 أكتوبر، ويبني على عقود من التنظيم والنشاط والمناصرة من قبل الحركة المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة.
هنالك العديد من العوامل التي ساهمت في تشكيل ما يمكن تسميته اليوم بالانتفاضة الطلابية في الولايات المتحدة، لكن قبل أن نتحدث عن تاريخ الحراك وظروفه الموضوعية والذاتية، علينا أن نفهم أن المحرك الأساسي الذي يدفع بالجيل الشاب هو الألم الشديد الذي يشعر به تجاه معاناة أهلنا في غزة؛ فهذا التحرك يعبّر عن غضب عالمي متزايد بسبب الإبادة الجماعية التي تُبث مباشرة على الشاشات وتستمر لفترة طويلة من دون أي إشارة إلى التوقف. وهذا الغضب يتضاعف في حالة الطالب الأميركي والطالبة الأميركية اللذين يريان أنهما مواطنا دولة شريكة في الإبادة، وطالبان في جامعة متواطئة فيها. كما يشعر الطلبة من مختلف الجنسيات بمسؤولية مباشرة عما يحدث في غزة، وهذا يميز الحراك الطلابي في الولايات المتحدة عن بقية الجبهات الطلابية الداعمة لفلسطين في العالم. تستعمل الولايات المتحدة ضرائب الشعب لتمويل إرسال السلاح إلى إسرائيل، كما أن الجامعة الأميركية التي يدفع لها الطالب الأميركي أعلى الرسوم في العالم، بدلاً من الاستثمار في تعليم الطلاب، تستثمر أوقافها في شركات الأسلحة المتورطة في الإبادة، وتجني الأرباح منها. لذلك، فإن الهم الأساسي لهذه الفئة الطلابية هو إيقاف حرب الإبادة، وهذا على المدى القريب، أمّا على المدى البعيد، فإن الهدف هو وقف الدعم المادي والمعنوي والأيديولوجي الذي توفره الدولة والجامعة الأميركية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.
هذا الحراك، وعلى الرغم من مروره بفترات تراجع، لا يزال يراكم تجارب ومهارات جديدة ويتطور بأبعاده التنظيمية والسياسية. إن هدفي من كتابة هذه الدراسة المتواضعة ليس إبعاد أنظارنا عن غزة إلى أميركا، وإنما تأكيد أهمية جبهة المعركة مع مؤسسات النظام الأميركي الاستعماري الاستيطاني والإمبريالي الشريك في الإبادة. وكما يشدد الطلبة في الحراك، علينا "إبقاء أعيننا على غزة"، لكن من اللافت أن عيون غزة أيضاً على الحراك؛ فقد رأينا العبارات التي كُتبت على بعض الخيام في غزة، وسط التجويع والقتل والنزوح، تشكر الطلبة المنتفضين. وأصبحت هذه الحركة جبهة من جبهات المقاومة الشعبية ضد حرب الإبادة على الساحات العالمية، إذ إن الأهمية المركزية التي اكتسبتها لفترة ما تعكس أولاً الواقع المرير الذي يشهد غياب أي عامل سياسي، مثل دولة أو تنظيم، قادر على إيقاف الإبادة، أو حتى تخفيف معاناة شعبنا في غزة. وبالتالي، يرفع هذا الوضع مستوى المسؤولية، ويتطلب منا أن نفهم بشكل عميق الأبعاد التنظيمية لـ"الانتفاضة الطلابية"، وإمكاناتها، وقدراتها، وآفاقها.
وفي ظل هذا كله، كيف نفهم المرحلة التاريخية التي تشهدها الحركة الطلابية المناصرة لفلسطين في أميركا، أو كما يسميها أعضاء الحراك تبعاً للتقليد الأصلاني المحلي: "جزيرة السلحفاة"؟ سوف أحاول رصد هذه التحولات في المدى البعيد في ثلاثة محاور أساسية ومتشابكة: توسع التحالفات السياسية على مستوى التنظيم الشعبي (grassroots organizing)؛ ارتفاع سقف التحدي للمنظومة على مستوى العمل السياسي؛ تجذير (radicalization) الوعي السياسي الشبابي-الطلابي الجماعي.
تأطير تاريخي: "الانتفاضة الطلابية"
الحراك التضامني مع فلسطين في الولايات المتحدة هو اليوم حراك شامل ويتضمن تنظيمات وفئات متنوعة من المجتمع، لكن عندما نتكلم عن "الانتفاضة الطلابية"، نتكلم عن جيل فلسطيني شاب ومتعلم يؤمن بقضية التحرر الوطني، الذي شكل نواة أساسية لهذا الحراك، يرافقه جيل أميركي شاب متعدد الجنسيات لديه قدرات تنظيمية في الشارع والحرم الجامعي، وخطاب سياسي يتركز على التضامن والتحرر. والجالية الفلسطينية العربية في أميركا، وفي جيلها الشاب بالذات، صعدت في هذا الحراك من داخل واقع تنظيمي وسياسي منهار؛ فبعد اتفاق أوسلو، ومع انحلال التنظيم الوطني الطلابي الفلسطيني في الشتات الذي يمثله "الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين (GUPS)"، أصبحت الساحة السياسية الطلابية مبتورة، واتخذ التنظيم شكلاً تضامنياً تمثل في الجامعة في حركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP)"، التي تأسست في جامعة كاليفورنيا، بيركلي عام 2001، وهدفها هو تعزيز التضامن مع فلسطين في الحرم الجامعي من خلال التثقيف السياسي، والتحالف مع شركاء النضال المشترك، وتحقيق مطالب حركة المقاطعة (BDS)، بما في ذلك مقاطعة المؤسسات الأكاديمية والثقافية الإسرائيلية وسحب الاستثمارات من الشركات المتواطئة مع المشروع الصهيوني. وتعرضت هذه الحركة، وما زالت، لحملات قمع وتحريض وتشهير متتالية لا مثيل لها من قبل أذرع اللوبي الصهيوني في الجامعة والإعلام، والذي كان مشبعاً بالكراهية ضد الإسلام بالذات، بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر. ولم يقتصر هذا التحيز والعداء على الإعلام فحسب، بل شمل أيضاً المجتمع الأكاديمي الأميركي، بما في ذلك المدرّسون العنصريون والحركات الطلابية الصهيونية. ويتجلى هذا القمع أيضاً في الرقابة الرقمية والتشهير (Doxxing)، اللذين يستهدفان الناشطين لتدمير سمعتهم، وتهديد مستقبلهم المهني، حتى يؤدي ذلك إلى طردهم أو فصلهم من التعليم أو العمل. بالإضافة إلى ذلك، وخصوصاً في السنة الأخيرة، شاركت الشرطة التابعة للجامعة والمدن والولايات المختلفة في قمع الحراك. وهدفت كل هذه الوسائل في النهاية إلى ردع وإسكات الأفراد والمجموعات المناصرة لفلسطين، لكنها لم تنجح.
بل على العكس، ازداد حجم هذا الحراك بشكل كبير ليشمل اليوم حوالي 200 كتلة في الجامعات في الولايات المتحدة وكندا. وعلى الرغم من أن حركة "SJP" غالباً ما يقودها فلسطينيون شباب، مثل حالة شيكاغو التي تضم أكبر جالية فلسطينية في أميركا وأكثر من 12 فرعاً لحركة "SJP"، فإنها حركة تضامن تشمل فئات طلابية من مختلف فئات المجتمع الأميركي، بما في ذلك البيض، والعرب، والمسلمون، وأشخاص معنيون بالصراع ضد العنصرية والاستعمار، وطبعاً فئة كبيرة من اليهود المعادين للصهيونية. وتتخذ الكتل الطلابية أشكالاً تنظيمية مختلفة في كل حرم جامعي، وهي مستقلة في هيكليتها وطرق اتخاذ القرارات فيها. ومع ذلك، فهي تعمل ضمن إطار تنظيمي أكبر تحت مظلة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (National Students for Justice in Palestine)، الذي يُعتبر هيئة توجيهية وطنية مستقلة، إذ تعقد هذه الهيئة مؤتمرات وطنية يحضرها المنظمون من جميع أنحاء البلاد لمناقشة وتقرير أشكال التنظيم والتحرك والخطاب وبناء الائتلافات وكيفية مواجهة القمع إلخ.... وتعمل هذه الحركة ضمن شبكة أوسع من التنظيمات الفلسطينية والعربية والإسلامية التي تتجاوز نطاق الحرم الجامعي، وتشمل مؤسسات شعبية وثقافية وسياسية وشبابية.[1]
احتوت هذه الحركة، بالطبع، مطالب حركة "بي دي إس" BDS التي نشأت عام 2004، عندما أطلقت مجموعة من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين في رام الله الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل PACBI [2]. وما يميز حركة "بي دي إس" BDS هو تركيزها على خطاب حقوق الإنسان، واتخاذها شكل التنظيم الشعبي، وهو الدور الذي تبنته منظمات مثل "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (SJP) في الجامعات. علاوة على ذلك، فإن هذه الحركة لها سابقة في العمل الجامعي، إذ استندت إلى النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ذلك بأن الحركات الطلابية في الجامعات الأميركية كانت جزءاً أساسياً من هذا النضال، حيث اعتمدت الأساليب نفسها، وبعد عقود من النضال والعديد من التحديات نجحت في نهاية الثمانينيات.
أمّا في سياقنا، فإن ساحة الجامعات الأميركية تؤدي دوراً خاصاً في هذا الحراك بسبب تحولها إلى كيانات نيوليبرالية متكاملة في "المجمع الصناعي العسكري الأكاديمي" (Military-Industrial-Academic Complex)، والذي تُعتبر إسرائيل جزءاً مركزياً فيه. ويستثمر العديد من الجامعات الأميركية من خلال صناديق الوقف التي تديرها مجموعة من الأوصياء في شركات متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، فعلى سبيل المثال، تستثمر جامعة كورنيل في شركات تكنولوجية وأسلحة مثل Elbit Systems وBoeing وLockheed Martin، التي تصنع الأسلحة والتكنولوجيا المستخدَمة في القمع العسكري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وجامعة كولومبيا تستثمر في شركات مثل Microsoft وAmazon وGoogle التي تتعاون مع الحكومة الإسرائيلية في مشاريع مثل مشروع "نيمبوس"، الذي يعزز القمع العسكري والمراقبة المستمرة للفلسطينيين، بالإضافة الى ذلك تقيم أيضاً شراكات بحثية مع مؤسسات وشركات أمنية وعسكرية إسرائيلية. إن التأثير الإسرائيلي في الجامعات الأميركية كبير، إذ أصبحت هذه الجامعات جزءاً لا يتجزأ من آلة تصدير أساليب القمع الإسرائيلي، فمثلاً، تستضيف جامعة شيكاغو "معهد إسرائيل"، الذي يعمل في العديد من الجامعات الأميركية ويتعاون مع "معهد دراسات الأمن القومي" (INSS) الإسرائيلي. وهذا المعهد ليس متورطاً في تقديم مناهج متحيزة سياسياً فحسب، بل يسعى أيضاً لتجنيد الطلاب لمصلحة الرواية الإسرائيلية الرسمية من خلال برامج تدريبية موجهة في سبيل ذلك.[3]
على مدار الأعوام العشرين الماضية، نظمت هذه الحركة حملات متنوعة شملت فعاليات ونشاطات تثقيفية تهدف إلى رفع مستوى الوعي بشأن فلسطين، وتعطيل المحاضرات التطبيعية، والاحتجاج ضد تواجد وعمل المؤسسات الإسرائيلية في الحرم، ومقاطعة الكورسات والعروض، وتمرير قرارات في المجالس الطلابية، وتنظيم اعتصامات وتخييم.. وتضمنت هذه الحملات أيضاً تنظيم احتجاجات واسعة النطاق، وإضرابات، ومسيرات، والتعاون مع حركات العدالة الاجتماعية الأُخرى لتعزيز التضامن مع القضية الفلسطينية. وشهدت الحركة بعض النجاحات، مثل تمرير قرارات سحب الاستثمارات في الكثير من المجالس الطلابية والتدريسية للجامعات الأميركية (وأكثر بكثير، وخصوصاً منذ بدء حرب الإبادة).[4] وعلى الرغم من انتشار تلك القرارات، فإن الإدارات الجامعية تجاهلت مطالب المجالس الطلابية، باستثناء حالات نادرة جداً.[5] وكردة فعل على صعود هذا الحراك، عزز اللوبي الصهيوني استثماراته في الجامعات من خلال دعم حركات طلابية صهيونية، ونشاطات تروّج للسردية الصهيونية من جهة،[6] وتراقب وتشهّر وتحرّض ضد الأساتذة والطلاب المناصرين لفلسطين من جهة أُخرى.[7] كذلك تم الضغط على ولايات كثيرة لتنفيذ العديد من القوانين التي تحظر نشاطاتهم، وخصوصاً تلك المتعلقة بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS.
هذا الحراك لم يتوقف، وإنما نما بشكل كبير، وخصوصاً منذ عام 2021 وهبّة الكرامة التي شكّلت زخماً جديداً في التضامن مع فلسطين في أميركا. في هذه الفترة، أصبحنا نرى لأول مرة تظاهرة لدعم فلسطين في مدينة شيكاغو تضم عشرات الآلاف من جميع فئات المجتمع المحلي الذين اصطفوا خلف الفلسطينيين الشباب وشعاراتهم. وهذا ناتج بشكل كبير من بناء التحالفات مع فئات أُخرى، وهو الموضوع الذي سنتناوله في القسم التالي. وقد شكلّت أحداث هذه الهبّة نقطة تحول، إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بديلاً من الإعلام التقليدي، وبدأ الناس يسمعون صوت الشباب الفلسطيني بصورة أكبر. وأضاف هذا التغيير أهمية أكبر إلى دور الشباب في الحراك، ما عزز من تأثيرهم، وساهم في انتشار رسالتهم وشرعنة رؤيتهم المغايرة للخطاب الرسمي الدولي والفلسطيني. وخلال هاتين السنتين، يمكن القول إن الحركة الفلسطينية الشابة أصبحت واحدة من أكثر الحركات فعالية، سياسياً، في الحرم الجامعي الأميركي مقارنة بحركات أُخرى.[8] إذاً بعد 7 أكتوبر، لم يكن هناك تعاطف شديد من الناس فحسب، بل أيضاً كانت الحركة الفلسطينية، بحركاتها الطلابية والشعبية، جاهزة للاستنفار وتحريك دوائر دعم مختلفة حولها. وفي 12 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد خمسة أيام من المجازر في غزة، أعلنت حركة SJP الوطنية عن يوم وطني للمقاومة في الحرم الجامعي.[9] وهنا بدأت الانتفاضة الطلابية.
توسيع التحالفات السياسية: العمل التضامني
نشهد تحولاً كبيراً في دوائر الائتلاف وبناء التحالفات حول القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة، الأمر الذي يعكس لحظة تاريخية محورية في العمل الطلابي في الجامعات الغربية، وأيضاً في الثقافة السياسية الأميركية العامة. فبعد فترة طويلة من القمع، بدأت فلسطين تخترق بنجاح الخطاب السياسي التقدمي، إذ كان هناك تعتيم في السابق على القضية الفلسطينية في أميركا في الإعلام والتعليم والسياسة، من اليمين - المعادي للإسلام من جهة، والمسيحي الصهيوني من جهة أُخرى، إلى اليسار (أو ما يسمى بالـ "Progressive Except for Palestine").[10] وهناك العديد من العوامل التي ساهمت في إنتاج هذا المشهد التضامني الجديد، أهمها الاتجاه العام نحو الراديكالية السياسية بين شباب أميركي يؤمن بالتقاطعية والتضامن والتحرر من جهة، والعمل المستمر من قبل الحركة الفلسطينية الشابة في بناء الائتلافات (coalition building) من جهة أُخرى. من خلال هذا العمل، كوّنت الحركة الفلسطينية تحالفات مع مجموعات مضطهدة وتقدمية متنوعة على أساس الهوية، مثل العرب والأفارقة والشعوب الإسلامية المحلية، وأيضاً على أساس القيم السياسية المشتركة، مثل مكافحة العنصرية والأبوية والرأسمالية ومناهضة الاستعمار. ووسعت هذه التحالفات القاعدة الطلابية والشعبية التي تتحرك وراء القضية الفلسطينية، وساهمت في جعل حركة التحرر الوطني الفلسطيني حركة اجتماعية شاملة في أميركا.
في العقد الماضي أو نحوه، شهدنا اتجاهاً عاماً نحو الراديكالية بين الشباب وفي الجامعات، حيث بدأت هذه الفئات تتبنى رؤى مناهضة للرأسمالية والعنصرية، وكانت كل هذه الحركات تعتمد على بناء التحالفات، إذ تمكنت الحركة الفلسطينية بصورة عامة، وحركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (SJP) بصورة خاصة، من إدخال نفسها في جميع هذه التحركات وغيرها وفق معايير التقاطعية.[11] ويمكن القول إن هذا الاتجاه بدأ مع حركة "احتلوا وول ستريت" (Occupy Wall Street) عام 2011 التي ثارت ضد الطبقات الاقتصادية، والتي شهدت نصب الخيام في الجامعات مطالبة بالعدالة الاقتصادية والتصدي لجشع الشركات الكبرى، وهي مستوحاة من انتفاضات الربيع العربي التي أظهرت قوة الاحتجاجات الشعبية في تحقيق التغيير. وشاركت SJP في تظاهرات Occupy Wall Street في نيويورك، وأيضاً في حرم الجامعة في لوس أنجلس، حيث تبادلت الخبرات وفق ما تعلمته من اعتصاماتها السابقة.[12] وقد سلّط هذا العمل الضوء بشكل كبير على العلاقة بين الاستياء من الأوضاع الاقتصادية المحلية وسياسات الولايات المتحدة التي تفضّل الاستثمار المفرط في إسرائيل على حساب تنمية المجتمعات المحلية المحرومة. ثم جاءت احتجاجات 2014 التي ثارت ضد العنصرية النظامية للدولة والشرطة، والتي انكشفت بوضوح من خلال حوادث عنف الشرطة. وحدث تحول مهم عندما وقعت أحداث فيرغسون وغزة في الوقت نفسه تقريباً؛ خلال هذه الفترة، بدأت حركة التحرير الفلسطينية تبني تضامناً قوياً مع حركة السود في أميركا، فشهدنا تبادل الدعم والخبرة بين المتظاهرين، ما عزز الروابط الأيديولوجية والتنظيمية بين حركة التحرر السوداء وحركة التحرير الفلسطينية.[13] وأصبحت هذه الحركة ترى أن القمع البوليسي ليس منفصلاً عن الواقع في فلسطين، ولا سيما أن الشرطة التي تتعامل معها قد تلقت تدريبات في إسرائيل.[14] وهذا الأمر لم يغب عن بال نشطاء حركة "حياة السود مهمة" (BLM) الذين كانوا في مواجهات عنيفة مع الشرطة خلال احتجاجات عام 2020. إذاً، كانت هذه فترة تنخرط فيها الحركة الشبابية الفلسطينية أكثر وأكثر في النضالات المحلية، وتبني التحالفات، وتكتسب الخبرات.
لكن لا بد من الوقوف هنا وشرح أهمية الجامعة كساحة معركة، وخصوصاً في أميركا، كما يراها الطلاب اليوم، فهناك طبقة أُخرى لهذه الوحدة في الحرم الجامعي تتعلق بالمعركة على أرض الجامعة نفسها. ومع تزايد خصخصة الجامعات وتحولها إلى مؤسسات ربحية، برز الدور السلبي لمجالس الأمناء أو الأوصياء الذين يديرون الأمور المالية في الجامعات لأهداف ربحية من دون أي اهتمام حقيقي بالجانب التعليمي. فهؤلاء الأوصياء يستثمرون في مشاريع تهدف إلى تحقيق الربح، مثل التكسير الهيدروليكي (fracking) الذي يعارضه الطلاب بشدة. وبالتزامن مع ذلك، يتدهور الوضع الاقتصادي، ويجد الطلاب أنفسهم مجبرين على الغوص في ديون ضخمة للالتحاق بالجامعات الأكثر تكلفة في العالم، ما يجعل من الصعب عليهم العثور على وظائف بعد التخرج، فيضطرون إلى قضاء حياتهم في سداد هذه الديون. بالإضافة إلى هذا كله، أصبحت الجامعات أداة قوية في عمليات الاستطباق (gentrification) للأحياء المهمشة التي تقع فيها،[15] فعلى سبيل المثال، تقع جامعة شيكاغو في حي هايد بارك، وجامعة كولومبيا في هارلم، وهي أحياء تسكنها أغلبية من السود، وتقوم هذه الجامعات بشراء العقارات، وتجديدها، وزيادة الأسعار، ما يجعل من الصعب على السكان الأصليين، الذين هم غالباً من السود، البقاء في أحيائهم. كما رافق ذلك عسكرة الجامعات، إذ تدير هذه المؤسسات قوات شرطة جامعية معسكرة تمارس العنف ضد الطلاب؛ فجامعة شيكاغو، مثلاً، تمتلك واحدة من أكبر قوات الشرطة الخاصة في الولايات المتحدة، والتي لا تتبع للدولة، وإنما هي تحت إدارة الجامعة نفسها. وهذه القوات منتشرة في الأحياء السكنية المحيطة بالجامعة بأدوات القمع والمراقبة المفرطة، ما يعمّق التوترات الاجتماعية، ويعزز العنصرية والفقر والعنف. بهذا الشكل، يجب فهم العمل من أجل فلسطين في الجامعات كجزء من هذه المواجهة بين كثيرين من الطلبة المغتربين والنظام الأكاديمي الربحي والعسكري.
بالتأكيد، ترسّخ هذا التضامن بشكل أكبر بعد اندلاع حرب الإبادة على غزة، إذ جلبت هذه الأحداث حلفاءً قدامى، مثل نوادي الطلبة العرب، ونوادي تجمع أبناء وبنات مهاجرين من القارة الآسيوية، بما في ذلك الهند وباكستان والصين والفيليبين، بالإضافة إلى حركات نقابية طلابية وعمالية، وأيضاً حلفاءً جدداً، مثل الحركات الداعمة لحقوق السكان الأصليين في أميركا الشمالية، الذين شهدت علاقاتهم تضامناً منظماً أكثر في السنوات الأخيرة، وكذلك العديد من المحاربين القدامى الذين انضموا إلى الحركة بعد استشهاد آرون بوشنيل الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في بداية هذا العام، تضامناً مع أهل غزة ورفضاً لسياسة دولته في دعم الإبادة الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، انضم المسيحيون المناهضون للصهيونية إلى الحراك، إذ باتوا مستائين من سيطرة الصهيونية على دينهم، وأيضاً يناضل الطلبة اليهود، بأشكال متعددة، لفصل يهوديتهم عن الصهيونية. حتى إن هؤلاء الطلبة اليهود باتوا يشكلون جزءاً كبيراً من الحراك، وهم متواجدون في الصفوف الأمامية في المواجهات، ويرون أنفسهم داعمين وشركاء في حركة تحرير فلسطين. لكل فئة من هذه الفئات حكايتها وأسبابها الخاصة للانضمام إلى النضال، ولا يمكن سردها جميعها هنا، لكن الأهم هو أن فلسطين وفرت فرصة لكل هذه الفئات التي لديها مصالح ودوافع خاصة للانخراط في العمل من أجل فلسطين، وللعمل والتعاون تحت سقف وراية واحدة، وكي تقوّي ذاتها كتيار راديكالي لا ينطوي تحت الطيف السياسي الأميركي الضيق، سواء من اليسار أو اليمين الرسميَّين اللذين تسيطر عليهما الصهيونية.
أوجدت هذه التحالفات حاجة إلى هيكل تنظيمي جديد؛ فقد توحدت الحركات والنوادي والنقابات الطلابية تحت ائتلاف موحد في كل جامعة مشكّلة عشرات الائتلافات المتفقة على أهدافها. فعلى سبيل المثال، في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، يتألف "ائتلاف العدالة لفلسطين" (Justice for Palestine Coalition) من أكثر من 60 منظمة طلابية، بما في ذلك "الطلاب السود من أجل الحرية"، و"اتحاد الطلاب اللاتينيين"، و"الأصدقاء اليهود ضد الاحتلال". وفي جامعة ميشيغان، يضم ائتلاف "تحرير" (TAHRIR) أكثر من 70 منظمة طلابية،[16] بما في ذلك نقابة طلاب الدراسات العليا العاملين، و"اتحاد الطلبة السود"، و"صوت يهودي من أجل السلام"، و"جمعية الطلاب العرب". وفي جامعة كولومبيا، تشكَّل ائتلاف "جامعة كولومبيا، سحب الاستثمار من الفصل العنصري" (Columbia University Apartheid Divest) الذي يضم أكثر من 80 منظمة طلابية، بعد الإجراءات العقابية التي اتخذتها الإدارة ضد نشاطات مؤيدة لفلسطين مثل "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، و"صوت يهودي من أجل السلام". وتعمل هذه الائتلافات على تنسيق الجهود فيما بينها بشكل مستقل وبحسب الظروف المحلية وعلاقتها مع الجامعة والولاية. وهذا التضامن الجديد هو أوسع وأعمق من أن يتم إغلاقه، ويمتد عبر جميع الأجيال، مشكّلاً حركة لا يمكن إيقافها.
ارتفاع سقف التحدي للمنظومة: من التمثيل السياسي إلى الفعل السياسي الثوري
منذ أن بدأ العدوان الهمجي على شعبنا في غزة، اتبعت الحركة المناصرة لفلسطين استراتيجية لا مركزية يمكن الإشارة إليها كنهج "خوض المعركة على كل الجبهات"، تضمنت تكتيكات التعبئة الجماهيرية المستمرة في الشوارع، وإجراءات التعطيل، مثل إغلاق الجسور والشوارع والموانئ، وتنظيم القوافل، والضغط على المجالس البلدية لتوقيع بيانات لوقف إطلاق النار. كذلك، شملت "حركة الأصوات غير الملتزمة" التي تهدف إلى الضغط على إدارة بايدن لتغيير سياستها تجاه فلسطين عن طريق التهديد بعدم التصويت له في الانتخابات المقبلة، وكان الهدف من هذه التكتيكات، وما زال، خلق أزمة اجتماعية وسياسية وأخلاقية للطبقة الحاكمة، التي بيدها الرافعة التي تقرر استمرار الإبادة أو وقفها. لقد كانت الحركة الطلابية جزءاً أساسياً من ذلك العمل، فالتزمت بنهج خلق خلل في الحياة اليومية، وفق رؤية أنه لا حياة طبيعية يجب أن تستمر ما دامت الإبادة مستمرة، وكان ثمة تحريك هائل لتمرير قرارات وقف إطلاق النار في البلديات والمجالس المدنية، وكتابة العرائض، وإصدار البيانات، والاتصال بالكونغرس. وعلى الرغم من نجاح هذه الجهود في عدة مدن، فإنها لم تؤدِّ فعلياً إلى تغيير موقف الحكومة ذاتها، التي قامت ببعض الخطوات التمثيلية للحد من العنف الإسرائيلي بينما كانت تدعمه في الواقع، وهذا ما أدى إلى وجود تناقض عميق بين المجتمع المدني والدولة، الأمر الذي أظهر مقدار النفاق والمعايير المزدوجة. علاوة على ذلك، أظهرت محاولة قمع الحركة الاحتجاجية استعداد الدولة والمؤسسة الأكاديمية الأميركية التخلي عن مفاهيم "الديمقراطية" وحرية التعبير من أجل الدفاع عن دولة أُخرى. إذاً، باءت جميع "الأدوات الديمقراطية" للتغيير، مثل المناشدة السياسية، بالفشل، واستُنفدت طاقات الناس بشكل كبير، الأمر الذي زاد من شرعية وسائل المواجهة المباشرة لدى الجيل الشاب تحديداً، وأتاح الفعل السياسي الثوري.
ما يجري في الجامعات الأميركية هو حالة تمرد اندلعت بعد أن رفضت الجامعات التعامل مع مطالب الحركة المشروعة. فإلى جانب الاستراتيجية الشاملة في الشوارع، ركزت الحركة الطلابية، بصورة أساسية ودائمة، على الضغط على جامعاتها لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات من الشركات المتورطة في الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، ولتحقيق ذلك، تم استخدام تكتيكات متنوعة، مثل تمرير قرارات في المجالس الطلابية وهيئات طلابية وتدريسية مختلفة، والتي نجحت في كثير من الأحيان[17] على الرغم من محاولات قمع شرسة من قبل الإدارة وأذرع اللوبي الصهيوني؛ احتلال مكاتب الإدارة، والمواجهات المباشرة، وتعطيل المراسيم المختلفة، والإضرابات العمالية والطلابية وحتى الإضرابات عن الطعام، كما ظهرت وسيلة أساسية نشهدها اليوم، وهي الاعتصام في حرم الجامعات. إذاً، إنه فشل الإدارة المستمر في التعامل بجدية مع مطالب الطلاب أو حتى الجلوس والتفاوض معهم، على الرغم من استنفاد جميع وسائل الاحتجاج المتاحة لهم، التي أدت إلى حالة تصعيد مستمرة، ودفعت في نهاية المطاف إلى القرار باستخدام أداة الاعتصام والاستعداد له.
والاعتصام هو تكتيك احتجاجي يهدف إلى ممارسة الضغط على الإدارة من خلال إقامة خيام واحتلال مساحات في الحرم الجامعي لفترة غير محددة حتى يتم الدخول في مفاوضات وتحقيق مطالب الحركة. ويعكس هذا التكتيك تاريخاً طويلاً من النضال الطلابي في الجامعات الأميركية،[18] حيث يتم خلق مساحة تمرد وتنظيم في فضاء المؤسسة تخرج منها أفعال مختلفة بهدف التصعيد وزيادة الضغط على الإدارة، وتجري داخلها أيضاً نشاطات تدريبية وتعليمية وتثقيفية وسياسية. ويُشار إلى هذه الاعتصامات من قبل الطلاب بـ"المناطق المحررة"، وهي بمثابة إعلان نوع من السيادة على مساحات الجامعة، وهذا ما يؤدي إلى استعادة الفضاء الجامعي من قبل الطلبة. ففي العديد من الجامعات، قررت الحركة احتلال قاعات ومبانٍ كاملة، والسيطرة عليها وإعلانها مساحات محررة، وإطلاق أسماء فلسطينية عليها.[19] وتُعدُّ العلاقات الاجتماعية التي يتم بناؤها خلال الاعتصام جزءاً من تجربة إعادة تثقيف ثورية وممارسة ثورية بحد ذاتها، إذ يتميز الاعتصام بنوع من التعاون الاشتراكي والقرار الجماعي في تنظيم جميع الفعاليات اليومية، من تحضير الأكل ولمّ القمامة، إلى تحديد مطالب الحراك واتخاذ القرار بالتصعيد وتوقيته. وقد عززت هذه التجربة المشتركة العلاقات بين أفراد المجموعات المشاركة في النضال، والتي تأتي من خلفيات هوياتية وسياسية متنوعة ومختلفة، وما يجمعها هو عداؤها للمؤسسة الرسمية. كما أدى الاعتصام إلى كسر الحواجز العاجية في الحرم الجامعي وتكوين علاقات مع حركات ومجموعات من المجتمع المحلي، الأمر الذي ساهم في زيادة الدعم المادي من الجاليات العربية وغيرها، ودخول حركات شبابية راديكالية إلى المشهد، كما ساهم الضجيج الناجم عنه في زيادة انتشار الصوت الإعلامي للحركة، ما وضع قضية سحب الاستثمارات في مركز النضال الشعبي.
مواجهة القمع:
لا يمكن إكمال الحديث من دون تناول قضية القمع، ذلك بأن المواجهة مع أدوات القمع ليست تهديداً لاستمرارية النضال وشرعية أدواته فحسب، بل هي أيضاً مواجهة مباشرة مع المنظومة العسكرية الصناعية التي تعزز العنف الاستعماري الأميركي والإسرائيلي.[20] فقد واجهت "الانتفاضة الطلابية" منذ بدايتها قمعاً شديداً وغير مسبوق من قبل جهاز الشرطة الرسمي والجامعي، ومع استمرار هذه المواجهة، يمكن القول إن الحركة طورت أدوات وبنية تحتية معنوية وقانونية تحمي المتظاهرين وتتحدى قرارات الجامعات والمحاكم ضد الطلبة. فضلاً عن ذلك، نجحت الحركة في تحدي الخوف الناجم عن هذا القمع، بل استطاعت أن تحوّل المواجهة مع أدوات القمع إلى وسيلة لتعزيز شرعية النضال والتضامن؛[21] أولاً، المواجهة مع الشرطة في هذه الاحتجاجات فضحت المؤسسة الأكاديمية وكشفت أنه عندما تتعرض مصالحها المالية والسياسية للتحدي تصبح مفاهيم "الحرية الأكاديمية" و"التعددية والمساواة والاحتواء" (المعروفة بسياسات الـ"D.E.I") مجرد شعارات شكلية فارغة، كما كشفت جلياً زيف الادعاء الأساسي للإدارة بأن القرارات المالية التي يديرها الأوصياء لا يمكن أن تتأثر بالسياسة، ويتم رفضها من أساسها كمحاولة لتسييس الأوقاف الجامعية. فاستمرار الاستثمار في الإبادة، واستخدام الجامعة للعنف ضد الطلبة المطالبين بإيقافه، هو قرار سياسي ومنحاز بامتياز لمصالح الاحتلال الإسرائيلي، ومصالح أميركا الجيوسياسية، وشركات الأسلحة العالمية.[22] ثانياً، استطاعت الحركة الطلابية الفلسطينية تحويل القمع إلى أداة للحشد والتنظيم، عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لكشف اعتداءات الشرطة ودعم المعتقلين، وهو ما تجلى في جامعة كولومبيا في 22 نيسان/ أبريل، حين أدى تدخل الشرطة العنيف إلى تفجير موجة من الاعتصامات في الجامعات الأميركية، ما عزز التضامن إلى درجة خلق هبّة طلابية عالمية. وخلال هذه الفترة، تطورت أدوات الدفاع عن النفس من الشرطة، سواء الفيزيائية أو القانونية، وزادت قدرة الطلاب على تحدي النظام واستعدادهم للتضحية في سبيل النضال، وأصبحت البنية التحتية التي أنشأتها الانتفاضة الطلابية أكثر تنظيماً وشمولاً، ما مكّن الانتفاضة الطلابية من الاستمرار على الرغم من اعتقال أكثر من 3000 شخص منذ نيسان/ أبريل فقط.
لقد كان الاعتصام الحالي في أغلبه غير عنيف، على الرغم من وجود مواجهات عنيفة، إذ كان العنف يأتي بشكل أساسي من الشرطة التي قامت بفض وإغلاق أغلب الخيام بعنف شديد. بالإضافة إلى ذلك، شهدنا هجمات عنيفة من الجماعات الصهيونية على المعتصمين، فمثلاً في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس (UCLA)، هاجم المتظاهرون المؤيدون لإسرائيل بعنف مخيماً مؤيداً للفلسطينيين، مستخدمين العصي والقضبان المعدنية والألعاب النارية، بينما لم تتدخل الشرطة لعدة ساعات. وشهدت هذه الاعتصامات مصائر مختلفة بحسب الجامعة والولاية؛ فبعضها تم قمعه وتدميره بسرعة، وبعضها أُعيد إحياؤه عدة مرات، وبعضها صمد لفترات طويلة وما زال مستمراً. بطبيعة الحال، كان ثمة أعمال نضالية مكثفة خلال الاعتصام، إذ فرض الجميع سيادتهم على الفضاء الجامعي، فيزيائياً وتعليمياً، وطوروا أدواتهم يومياً وفق الواقع الجديد، ومع ذلك، لا يمكننا القول إن القمع لم يكن له تأثير، ذلك بأن أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الحركة هو أن العديد من هذه الحركات مشغولة بالدفاع عن الطلاب الذين يواجهون تهماً وعقوبات في المحاكم (بالإضافة إلى تأثير العطلة الصيفية حيث تقل النشاطات التعليمية).
المفاوضات:
خلال الاعتصامات في الجامعات الأميركية، قامت حركات متعددة بتوسيع لائحة مطالبها وشروطها للمفاوضة، والتي كان أساسها سحب الاستثمارات من الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. وكل اعتصام اتّبع مساراً مختلفاً في التفاوض مع الإدارة الجامعية، لكن المطالب تضمنت الشفافية المالية وحق المساءلة، ومقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وإلغاء الشرطة الجامعية، والعفو الشامل عن جميع المتظاهرين، وحماية حق الاعتراض، ووقف التحريض ضد العرب والمسلمين والفلسطينيين في الحرم الجامعي.[23] بالإضافة إلى هذا، تضمنت المطالب (أو المطالب المسبقة)، في عدة جامعات، تقديم دعم لمشروع إعادة تأهيل التعليم العالي في غزة عبر توفير المنح الدراسية والتعليمية لعدد معيّن من الفلسطينيين في غزة الذين دُمرت مؤسساتهم التعليمية، أو من خلال دعم مبادرات فلسطينية تهدف إلى إعادة بناء المؤسسات التعليمية وتعزيز التعليم العالي في غزة.[24]
في المجمل، يمكننا القول إن المفاوضات حققت تقدماً محدوداً. وقد قدمت الإدارة في العديد من الحالات وعوداً بالمفاوضات من أجل تهدئة الاحتجاجات وإخماد الاعتصامات، وهذا ما حذرت منه مجموعة (Harvard Out of Occupied Palestine (HOOP بعد فض اعتصامها، وهذا أيضاً ما رأيناه في حالة جامعة روتجرز (Rutgers University)وغيرها؛ فقد قرر المعتصمون التوصل إلى اتفاق يتنازل عن مطلب سحب الاستثمارات في مقابل إنجازات ثانوية أُخرى، مثل إنشاء مركز ثقافي عربي ودعم الطلاب الفلسطينيين، وهو ما اعتبره العديد من المعسكرات الأُخرى تنازلاً غير مقبول. وفي حالات قليلة جداً يمكن القول إن المطالب تم تحقيقها، مثل جامعة إيفرغرين في ولاية واشنطن (The Evergreen State College in Washington State)، وهي جامعة الناشطة والشهيدة الأميركية راشيل كوري التي قُتلت بواسطة جرافة إسرائيلية في غزة عام 2003، فقد تم التوصل إلى اتفاق مع المعتصمين يضمن العمل على سحب الاستثمارات من الشركات التي تستفيد من انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وإيقاف برامج الدراسة بالخارج في إسرائيل. في المجمل، لم تحقق حركة سحب الاستثمارات تقدماً جدياً على الرغم من كل الضغوط، لكن كرة الثلج بدأت بالتدحرج، وتراهن المؤسسة على أن الصراع سيخمد، وستتمكن مع الوقت من احتواء كل شيء من دون التنازل للطلاب. بيد أن هذا حراك مستمر، ولم يهدأ من 20 سنة، ولن يهدأ حتى تحقيق مطالبه.
تجذير الوعي السياسي:
إلى جانب المواجهة مع المؤسسة والشرطة والحكومة، لا يجب التقليل من أهمية العمل الجاد والمستمر في التثقيف السياسي، والذي يؤدي عدة أدوار أساسية في الانتفاضة الطلابية؛ أولاً، تفكيك الرواية الصهيونية السائدة وتثبيت السردية الفلسطينية التاريخية، فالإعلام الأميركي والجامعة الأميركية هما جزء كبير من آلة البروباغندا التي تسعى إلى تزييف الحقائق وتشويه الصورة الحقيقية للصراع الفلسطيني-الصهيوني وفق الرؤية الصهيونية، ومن خلال التثقيف السياسي، تمكّن الطلاب من فضح هذه الأكاذيب وإظهار الحقيقة، ما ساهم في تغيير الرأي العام. ثانياً، بناء رؤية سياسية واضحة تتضمن جميع حقوق الفلسطينيين التاريخية، إذ يساهم التثقيف السياسي في تكوين شعارات ومطالب الحراك بشكل يتوافق مع مصالح وطموح الشعب الفلسطيني، كما أن العمل التثقيفي كان وما زال الضمان ضد أن تصبح الحركة محصورة في مطلب "وقف إطلاق النار" - وهذا موقف إنساني أساسي - بل حركة تسعى إلى تفكيك الاستعمار الاستيطاني وتحرير الشعب الفلسطيني. ثالثاً، ربط القضية الفلسطينية بقضايا تحرر سائر شعوب العالم. كذلك يساهم التثقيف السياسي في إظهار مختلف الجوانب التي تتقاطع فيها القضية مع قيم العدالة الاجتماعية والعرقية والجندرية والبيئية وغيرها، ما يربط المصالح ويساهم في توسيع قاعدة الدعم والتضامن في معركة واحدة ضد المنظومة.
لقد قامت الحركة الطلابية بإدارة عملية تثقيف سياسي وتاريخي أثرت بشكل جذري في مكانة فلسطين والقضية الفلسطينية في وعي طلبة الجامعات الأميركية. وتضمنت هذه النشاطات، التي كانت مكثفة قبل بدء الحرب وبعدها، مجموعة متنوعة من الفعاليات التعليمية والثقافية؛ فقد قامت حركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (SJP) بتنظيم جلسات تعليمية (Teach Ins) متتالية تشرح السردية الفلسطينية وتفسر تاريخ المقاومة والنضال الفلسطيني، كما نظمت دوائر قراءة مكثفة لتعميق فهم المشاركين لتاريخ المقاومة الفلسطينية، وأقيمت محاضرات متعددة تعرض النضال الفلسطيني بمختلف أبعاده. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجهود لم تمر بدون عقاب، ففي جامعة كولومبيا، على سبيل المثال، تمت معاقبة الطلاب بسبب تنظيمهم ورشة بعنوان "مقاومة 101"، ما يُبرز مدى تأثير هذه النشاطات وتهديدها للمنظومة القائمة. كما استضافت الحركة الطلابية معارضَ فنية تُظهر الحياة والثقافة الفلسطينية، ما ساعد في تجسيد فلسطين كشعب حي له ثقافة عريقة وغنية ومستمرة، إذ شكلت العروض الغنائية والشعرية جزءاً لا يتجزأ من هذه الفعاليات، وتم تسليط الضوء على الفنانين الفلسطينيين والتعبير عن أصواتهم، الأمر الذي عزز الروح المعنوية وربط الجمهور بثقافة وخيال ومشاعر الشعب الفلسطيني.
ليس ثمة مكان ظهر فيه دور هذه العملية التعليمية كما في المخيمات الاعتصامية، التي اتخذت في معظمها اسم "الجامعة الشعبية من أجل غزة".[25] وصعود هذه الجماعات هو فعل رمزي لإنذار العالم أن إسرائيل تقوم بعملية "إبادة تعليمية" ( (Scholaticide، في إشارة إلى التدمير الشامل والممنهج للبنية التحتية التعليمية في غزة بهدف تفكيك أسس المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك تدمير معظم المدارس وجميع الجامعات، وقتل آلاف الطلبة والمئات من المعلمين وأساتذة الجامعات. أمّا "الجامعة الشعبية"، فهي فكرة مستوحاة من مشروع الجامعة الشعبية المرتبط بدائرة سليمان الحلبي للدراسات الاستعمارية في فلسطين، والذي يركز على التعليم الشعبي والدور السياسي لإنتاج المعرفة في النضال من أجل التحرير. فعلاً، شكلت المخيمات جامعة بديلة في فضاء الجامعة الاستعمارية المهيمنة، حيث كانت الجلسات التعليمية يومية ومتتالية، وتتخذ شكلاً غير هرمي، ولامركزي، وشبابي، إذ شارك الجميع في تحضير المواد، وإلقاء المحاضرات، وإدارة الحوارات، وحتى إنتاج المقالات وإضافتها إلى "مكتبة التحرير" (liberation library). فقد تم خلق فضاء "متحرر" يضع فلسطين والإنتاج المعرفي الفلسطيني في المركز داخل جامعات استعمارية همّشت تاريخياً الوجود والتاريخ الفلسطينيين وحتى شاركت في محوهما. إن هذه العملية تساهم في تشكيل وعي من خلال جعل المتضامنين يرون العالم بعيون فلسطينية، وبلغة فلسطينية. ففي مخيّم جامعة ميشيغان مثلاً، شاهدت الطلبة يناقشون نادرة شلهوب كيفوركيان بعد إعلان اعتقالها، ويناقشون العلاقة بين السجون الاستعمارية والعنصرية وارتباطها بالمنظومة العالمية الاقتصادية - السياسية، كما يقرأون ويناقشون أعمال وليد دقة بعد استشهاده ويدركون أدوات "كي الوعي" ويناقشون طرق تحديها، ويقرأون عن باسل الأعرج ويَلهِمون من نموذج "المثقف المشتبك" ويناقشون طريقة تبنيه.
ومن المهم التشديد على أن هذه العملية التثقيفية لا تسعى لحصر قضية فلسطين كقضية استثنائية وحصرية، وإنما تهدف إلى بناء فلسطين كقضية كونية، إذ تجتمع الفئات المختلفة ومعتقداتها وقيمها، سواء كانت اشتراكية أو أناركية أو إسلامية أو قومية أو مناصرة لحقوق مجتمع الميم أو داعمة للإصلاح البيئي، في عملية جدلية يومية تضع فلسطين وغزة في المركز؛ فيتحاورون يومياً ليسألوا عن معنى التضامن، والمقاومة، والتحرير، ومعاني شعاراتهم الجماعية مثل "يوجد فقط حل واحد، الانتفاضة والثورة"، و"نحن آلاف، نحن ملايين، نحن كلنا فلسطينيين". وفي مخيم جامعة ميشيغان، تم التركيز على التقاطع والتشابه بين مختلف النضالات، وتحدث طالب أرمني عن معاناة أجداده في ظل المجازر التركية، وناقش العلاقة بينها وبين النكبة، وتكلمت شابة من تيغراي عن نضال شعبها تحت نير الإبادة الجماعية، وكيف أنها مخفية بسبب العنصرية، ما يُبرز الحاجة إلى التحدث عنها بشكل أكبر، كذلك تحدث شاب سوداني عن التقاتل والفقد في السودان، وتمت مناقشة الفساد والتواطؤ اللذين يعصفان بالأنظمة العربية المطبّعة، مثل الإمارات. إذاً، يعزز هذا العمل مفهوم فلسطين كقضية مركزية ومرآة لجميع النضالات ضد الظلم، ويساهم في توسيع المخيلة السياسية لدى الحراك، الذي أصبح يعتبر فلسطين قضية تحرر كونية تجمع جميع خطايا النظام الاقتصادي-السياسي العالمي.
ختام:
خلال الأعوام العشرين الماضية، صعد حراك شبابي فلسطيني راديكالي، منخرط جداً في الخطاب السياسي الفلسطيني من جهة، وفي خطاب العدالة الاجتماعية والعرقية والخطاب المعادي للاستعمار الذي كانت حركة التحرر الوطني الفلسطيني دائماً جزءاً منه من جهة أُخرى. وتعمل الحركة الشبابية الطلابية الفلسطينية، والمتضامنون مع فلسطين، الذين قادوا الهبّة الطلابية، منذ عشرات السنين على تعبئة الحرم الجامعي والشارع الأميركي، وكانوا جاهزين للاستنفار الفوري بمجرد أن بدأت حرب الإبادة على غزة. وعلى الرغم من أن الحركة الوطنية الفلسطينية الرسمية أخذت تنحسر تنظيمياً في المهجر الأميركي، فإن جهود الشباب الفلسطيني نجحت بشكل كبير في دمج القضية الفلسطينية ضمن هموم الجيل الشاب، وأصبحت هذه الرؤية التحررية، المرتكزة على حق العودة والحقوق الوطنية الفلسطينية الكاملة "من البحر إلى النهر"، بوصلة عامة لجميع الحركات التقدمية. لكن لم يكن الأمر مجرد ترويج لفلسطين وفق معايير العدالة الاجتماعية فحسب، بل أتاح أيضاً إمكان بناء معسكر مناهض للإمبريالية في الولايات المتحدة يوحّد جميع النضالات التي يتم تهميشها عادة من جانب "اليسار" و"اليمين" على حد سواء. وفي تقديري، شكّل الحراك الاحتجاجي من أجل فلسطين في الولايات المتحدة تجذيراً في الوعي السياسي عند الطلبة المنتفضين، ما جعل خيار التضامن مع فلسطين هو نفسه خيار الوقوف ضد النظام الأميركي والمنظومة العالمية الاقتصادية السياسية بأسرها، وكما يقول أحد الشعارات التي يرددها الطلبة المنتفضون: "فلسطين ستحررنا جميعاً". فعلاً، راية فلسطين الكونية خلقت فضاءً ثالثاً لممارسة التعاون والتفكير السياسي ما بين تيارات مختلفة تقع خارج ثنائية "الحرب الثقافية" بين الليبراليين والمحافظين، وهو فضاء يعكس إمكانية بناء بديل راديكالي حقيقي معني بالقضاء على الصهيونية وسائر الأنظمة العنصرية والاستعمارية في العالم. بهذا الفهم، فإن الانتفاضة الطلابية في الجامعات الأميركية ليست فقط جبهة للنضال من أجل غزة، بل هي أيضاً جزء من جبهة عالمية تدعو الى إلغاء الصهيونية وسائر الأنظمة الاستعمارية والعنصرية في العالم وتحقيق السيادة وتقرير المصير للشعوب المضطهدة في كل مكان.
هل أنجزت الانتفاضة الطلابية أهدافها؟ وبالأخص وقف إطلاق النار؟ كلا، في المدى القريب لم يحدث ذلك، والسبب الرئيسي هو أن السياسات في الولايات المتحدة تُحرَّك بواسطة اللوبيات وليس بالرأي العام. ومع ذلك، فإن الحركة الطلابية في حالة حرب وتصعيد مستمر، وتعمل بنفس طويل من دون أن ترى الاستسلام كخيار، كما أن الطلاب لطالما كانوا في طليعة التغيير يستبقون التحولات المستقبلية، والتجذير السياسي بين الطلاب هو نقلة نوعية في وعي جيل جديد سوف يغير البلاد في المستقبل. وفي المدى البعيد، وعلى صعيد معركة الوعي، يمكن القول أننا انتصرنا بلا شك.
بالطبع، أظهرت التجربة العديد من التحديات والمحدوديات التي يعاني منها الهيكل التنظيمي لـ"الانتفاضة الطلابية"؛ فهناك نقص في التواصل والتنسيق المستمر بين الكتل، سواء على مستوى SJP أو مستوى الائتلافات، وعلى الرغم من أن هذه البنى تمكنت من تشكيل ائتلافات ببنية تحتية قوية، فإنها لم تتمكن من التحول من كتل محلية تواجه جامعة معينة داخل ولاية معينة إلى حركة طلابية وطنية بكل معنى الكلمة تواجه الجامعات والحكومة كجسد واحد له مقولة موحدة. لقد كانت لامركزية هذا الحراك وعفويته من عوامل القوة التي ساهمت في نمو الحركة وانضمام أشخاص من مختلف الفئات إليها، ومع ذلك، أدى هذا إلى بعض الفوضى التنظيمية التي ظهرت جلية في المخيمات، حيث تم اتخاذ قرارات تصعيدية في أوقات عشوائية من دون استراتيجيات واضحة. أمّا المشكلة الأكبر فكانت في كيفية اتخاذ العديد من الحركات المحلية قرارات تفاوضية مع الإدارة، والتي كانت تُعتبر تنازلات في نظر كثير من الجامعات، ما أضعف الموقف الموحد العام للحركة. لم يتوقف الحراك بعد، لكنه اتخذ منحى أكثر تخريبية وفردية، مع وجود حالة من المراجعة والتحضير للسنة الدراسية القادمة. فقد انتهت مرحلة الاعتصامات، وهناك اتفاق على ضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة تتغلب على القمع والإحباط والتناقضات الداخلية، والدرس الأهم هنا هو إدراك أن الحركة الطلابية الأميركية هي جبهة واحدة صغيرة لا يمكن الاعتماد عليها لتحقيق كل الآمال، بل يجب أن تنضم إلى النضال كل فئات المجتمع من جميع المجالات وفي جميع أماكن تواجدها وبقوة، فالانتفاضة الطلابية هي فقط قطرة في طوفان أكبر يجب أن ينمو ويتدفق بشدة.
[1] من بين هذه التنظيمات حركة الشباب الفلسطيني (Palestine Youth Movement)، ومنظمة المسلمين الأميركيين من أجل فلسطين (American Muslims for Palestine - AMP)، والشبكة العربية الأميركية للعمل (Arab American Action Network - AAAN)، وشبكة المجتمع الفلسطيني الأميركي (United States Palestinian Community Network - USPCN) وغيرها.
[2] في تموز/ يوليو 2004، أصدرت الحملة نداءً يدعو المجتمع الدولي إلى مقاطعة جميع المؤسسات الأكاديمية والثقافية الإسرائيلية حتى تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، وإزالة جميع المستعمرات في تلك الأراضي، والامتثال لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وتفكيك نظام الفصل العنصري.
[3] يقوم هذا المعهد بجلب أساتذة، مثل الجنرال الإسرائيلي المتقاعد مئير إيلران، الذي يدرّس دورات في مكافحة الإرهاب، لتدريب الطلاب على أساليب القمع المستخدمة في إسرائيل. وفقاً لمقال نشرته "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" في الصحيفة الطلابية لجامعة شيكاغو، فإن هذه الدورة الدراسية التي يدرّسها إيلران تمثل "تغلغل الجيش الإسرائيلي في حرمنا الجامعي وفصولنا الدراسية"، حيث تسعى هذه الدروس إلى "غرس عقلية ومنظور الجيش الإسرائيلي في الطلاب الأميركيين". وقامت الحركة بحملة واسعة ومتعددة الجوانب ضد تواجد إيلران والمعهد الذي يستضيفه في حرمهم الجامعي.
[4] على سبيل المثال، في عام 2014، أصدر مجلس طلاب جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس (University of California, Los Angeles) قراراً يدعو إلى سحب الاستثمارات، وكذلك جامعة ميشيغان (University of Michigan, Ann Arbor) في عام 2017. وفي عام 2018، صوّت طلاب كلية برنارد (Barnard College) بأغلبية ساحقة لصالح قرار يدعو الجامعة إلى سحب الاستثمارات من الشركات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطينية. وفي كلية سوارثمور (Swarthmore College)، انضم مجلس الحكومة الطلابية في عام 2019 إلى حركات طلابية أُخرى في دعم سحب الاستثمارات.
[5] في 7 شباط/ فبراير 2009، أصبحت كلية هامبشير (Hampshire College) أول مؤسسة تعليمية تسحب استثماراتها من الشركات المتورطة في الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
[6] “Birthright” .
[7] “Campus Watch” and “Canary Mission” .
[8] وفقاً لشهادة الكاتب.
[9] دعت حركة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (SJP) إلى يوم وطني للمقاومة في الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وشددت على أهمية تفكيك الصهيونية واستخدام القوة السياسية للمنظمات الطلابية لدعم تحرير فلسطين. كما شجعت الحركة على أشكال مختلفة من النشاط، بما في ذلك التظاهرات، والجلسات التعليمية، والتوزيع الإعلامي، وإصدار بيانات التضامن، وذلك بهدف تأطير النضال الفلسطيني ككفاح مشروع ضد الاستعمار والاضطهاد، مبرزة الترابط بين النضالات العالمية من أجل العدالة والتحرر.
National Students for Justice in Palestine. "Day of Resistance Toolkit." October 2023:
https://dw-wp-production.imgix.net/2023/10/DAY-OF-RESISTANCE-TOOLKIT.pdf
[10] وصف مصطلح "Progressive Except for Palestine) “PEP) الظاهرة التي يتم فيها استثناء القضية الفلسطينية من الدعم في الأوساط التقدمية. وعلى الرغم من أن هذه الأوساط تدافع عن العديد من قضايا حقوق الإنسان حول العالم، فإنها غالباً ما تظل صامتة أو معارضة لحقوق الفلسطينيين بسبب التأثيرات السياسية والاجتماعية القوية لمصلحة إسرائيل في الولايات المتحدة.
[11] الكاتب خالد عنبتاوي يوضح الأمر المتعلق بالتقاطع بين النضال من أجل العدالة في فلسطين وأسئلة العدالة في العالم التي تشغل أولويات الحركات الاجتماعية المختلفة: سواء حركات مناهضة قمع السود، ومناصرة حقوق المهاجرين أو النساء وطالبي اللجوء، والعدالة البيئية وغيرها.
[12] من مقابلة مع طالب كان ينشط سياسياً هناك في تلك الفترة.
[13] تدعو "حركة الإلغاء" (Abolition) إلى تفكيك منظومتي الشرطة والسجون، إذ تُعتبر هذه المؤسسات استمراراً للعبودية. تم التأكيد على الربط بين ذلك وبين المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي من قبل الكاتبة والناشطة السياسية أنجيلا ديفيس في كتابها:
Freedom Is a Constant Struggle: Ferguson, Palestine, and the Foundations of a Movement.
[14] على سبيل المثال، تُعرف شرطة نيويورك بتلقي تدريبات مشتركة مع الشرطة الإسرائيلية، وهو ما يعمّق العلاقة بين العنف البوليسي المحلي والسياسات العسكرية الإسرائيلية.
[15] التحديث أو الاستطباق أو التطهير الطبقي (Gentrification) هو عملية تحويل الأحياء الفقيرة أو المتدنية الدخل إلى مناطق أكثر رفاهية وجذباً للسكان الأثرياء، ما يؤدي عادة إلى تهجير السكان الأصليين ذوي الدخل المنخفض بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
[16] الحقيقة هي أن الائتلاف يضم بشكل غير رسمي حتى 100 حركة ومجموعة مختلفة.
[17] لقد صدرت العديد من القرارات الداعمة لسحب الاستثمارات من الشركات المتورطة في الاحتلال الإسرائيلي في المجالس الطلابية بالجامعات الأميركية بعد بداية حرب الإبادة في 7 أكتوبر. على سبيل المثال، في نيسان/ أبريل 2024، صدرت قرارات في الجامعة الأميركية في واشنطن، وجامعة كولومبيا Columbia) (University، وجامعة روتجرز (Rutgers University). وبالمثل، أصدرت كلية بودوين Bowdoin) (College قراراً بسحب الاستثمارات في أيار/ مايو 2024. ومن الجدير بالذكر أنه في كانون الثاني/ يناير 2024، أصدرت جمعية مجلس الشيوخ بجامعة ميشيغان أن أربور University of Michigan) )، التي تضم ممثلين عن الهيئة التدريسية، قراراً بدعم مطالب سحب الاستثمار، وهو أمر نادر أن يتم تمرير قرار كهذا من قبل أعضاء الهيئة التدريسية بدلاً من الطلاب.
[18] يعود تاريخه إلى احتجاجات الطلاب ضد حرب فيتنام في الستينيات والسبعينيات، وحركة مناهضة الفصل العنصري في السبعينيات والثمانينيات، وصولاً إلى الاحتجاجات الطلابية المعاصرة التي تطالب بسحب الاستثمار من إسرائيل. شهدت تلك الفترة اعتصامات واسعة في الجامعات الأميركية، مثل جامعة كولومبيا التي شهدت احتجاجات ضخمة في عام 1968 ضد دور الجامعة في أبحاث وزارة الدفاع الأميركية، وضد سياسات التمييز العنصري في الحرم الجامعي. وفي السبعينيات والثمانينيات، استمر استخدام الاعتصام كأداة احتجاجية خلال حركة مناهضة الفصل العنصري، حين قامت الجامعات بتمرير قرارات لسحب استثماراتها من الشركات التي تدعم نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وعلى سبيل المثال، قاد الطلاب في جامعة كولومبيا اعتصامات في عام 1985 مطالبين الجامعة بسحب استثماراتها من الشركات التي تدعم الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وهو ما أدى في النهاية إلى تبني قرار سحب الاستثمارات.
[19] على سبيل المثال، في جامعة كولومبيا (Columbia University)، قام الطلاب باحتلال قاعة "هاميلتون" (Hamilton Hall) الشهيرة وقاموا بتسميتها "قاعة هند" (Hind Hall) تكريماً لهند رجب، الطفلة الفلسطينية التي استشهدت على يد الجيش الاسرائيلي في غزة. وثمة مثال آخر من جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania)، حيث قام الطلاب باحتلال قاعة "فيشر-بينيت" (Fisher-Bennett Hall) وعمدوا إلى تسميتها بـ "قاعة رفعت العرعير" (Refaat Alareer hall)، تكريماً للشاعر الفلسطيني الذي استشهد في غزة أيضاً. وأيضاً قام الطلاب في جامعة ولاية كاليفورنيا المتعددة الفنون التطبيقية في هومبولت أو كال بولي همبولت (California Polytechnic State University, Humboldt)، باحتلال مبنى "سيمنز" (Siemens Hall) وقاموا بتسميته "قاعة الانتفاضة" (Intifada Hall).
[20] وفقاً لدراسة "Deadly Exchange" التي أجرتها منظمة "Jewish Voice for Peace"، فإن برامج التدريب المشتركة بين قوات الشرطة الأميركية والإسرائيلية تؤدي إلى تبادل أسوأ ممارسات العنف، والرقابة الجماعية، والتصنيف العنصري، وقمع الاحتجاجات.
[21] استندت هذه الاستراتيجية إلى تجربة الحقوق المدنية في الستينيات، حين استخدم مارتن لوثر كينغ جونيور الأسلوب نفسه لتحريك الجماهير واستغلال القمع لاكتساب التعاطف وفضح النظام.
[22] للتوضيح، وكما تفصّل مقالة الناشط والباحث في جامعة شيكاغو كريستوفر ياكوفيتي، عندما يطالب الطلاب الجامعات باتخاذ موقف بشأن فلسطين، تُرفض هذه المطالب بدعوى الحفاظ على "الحيادية المؤسسية". ومع ذلك، تُستخدم هذه "الحيادية" فقط عندما يكون للموضوع تأثير على المصالح القائمة للجامعات. على سبيل المثال، الجامعة التي تتبنى موقفاً ضد الحرب في أوكرانيا أ تُعتبر غير سياسية لأنها لا تتحدى الوضع الراهن بشكل جوهري. في المقابل، أي موقف يدعم حقوق الفلسطينيين يُعتبر سياسياً بشكل كبير لأنه يتحدى المصالح الاقتصادية والجيوسياسية المرتبطة بالتحالف الأميركي الإسرائيلي. يقول الكاتب: "المشكلة الأساسية ليست أن هذه الجامعات تعمل بمعايير مزدوجة، حيث ترفض دعم الفلسطينيين بينما تكون سعيدة بدعم الأوكرانيين. بل الأكثر جوهرية، هو أن الجامعات الأميركية تعمل بشكل ثابت تماماً بمعيار واحد: الولاء للوضع الراهن الذي تمليه القوة الأميركية، بغض النظر عن الشكل الذي تتخذه."
[23] انظر/ي على سبيل المثال قائمة المطالب من الاعتصام في جامعة ميشيغان في أن أربور(University (of Michigan, Ann Arbor، واعتصام جامعة كال بولي هومبولت، California Polytechnic) State University, Humboldt) واعتصام جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania).
[24] انظر: مطالب اعتصام جامعة شيكاغو التي تستخدم عبارة "سحب الاستثمارات والإصلاح" (Divest and Repair)، فلا يطلب الطلاب من الجامعة سحب الاستثمارات من الإبادة الجماعية وعملية التطهير العرقي في الحارات الجنوبية لمدينة شيكاغو فحسب، بل أيضاً تحمّل مسؤوليتها تجاه عملية "الإبادة التعليمية" (scholasticide) في غزة والمساهمة في إصلاحها من خلال دعم مبادرة لجامعة بيرزيت.
[25] استخدم العديد من المخيمات أشكالاً متنوعة لهذا الاسم، مثل "Palestine/Gaza Solidarity Encampment" و"People's/Popular University for Gaza/Palestine".