Skip to main content

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بدأت إسرائيل حربها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومنذ بداية هذه الحرب، أبدت الهجمات القوية التي شنتها طائرات ومدفعية الاحتلال، أننا إزاء حرب مختلفة، عن سابقاتها، ولا سيما تلك التي شنها الاحتلال على قطاع غزة. ومع مرور أيام إضافية، تأكد أن إسرائيل تنفذ إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وبحق تاريخه وحاضره ووجوده في أرضه. وقد طالت الآلة العسكرية الإسرائيلية، وما زالت القطاعات الحيوية لأي مكان حضري في العالم، مثل القطاع الصحي، والقطاع التعليمي، فقتلت كوادر علمية وأكاديمية وازنة في قطاع غزة، ودمرت كلياً وجزئياً الجامعات والكليات والمدارس ورياض الأطفال. ولاحقت هذه الأماكن أيضاً، لما تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين الذين شردتهم الحرب من منازلهم، فزادوا عن مليوني مواطن خارج بيوتهم، ينزحون من مكان إلى آخر. 

إبادة تعليمية

في نيسان الماضي، وبعد تضرر وتدمير أكثر من 80 في المئة من المدارس في قطاع غزة، أصدرت الأمم المتحدة بياناً، وضعه 19 خبيراً أممياً، حذروا فيه من "إبادة تعليمية"، وقالوا فيه "قد يكون من المعقول التساؤل عما إذا كان هناك جهد متعمد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، وهو عمل يعرف باسم "الإبادة التعليمية". وتشير "الإبادة التعليمية" وفقاً للأمم المتحدة إلى "إلى المحو المنهجي للتعليم من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلاب والموظفين، وتدمير البنية التحتية التعليمية." وفي تتبع التعريف الأممي، فإن كل شروط الإبادة قد تحققت كلياً في غزة. فبحسب التقارير الرسمية الفلسطينية، والمراكز الحقوقية، فإن أكثر من 100 من كادر التعليم الجامعي استشهدوا، منهم نحو 80 يحملون شهادات دكتوراه وماجستير، بينهم 17 بروفيسوراً. كما استشهد أكثر من 500 معلم من معلمي المدارس، وأكثر من 9000 طالب شهيد من طلاب التعليم المدرسي والجامعي.

وشدد خبراء الأمم المتحدة  على أن الهجمات على التعليم ليست حوادث معزولة، إنما "تمثل نمطاً ممنهجاً من العنف يهدف إلى تفكيك أسس المجتمع الفلسطيني"، وقالوا: "عندما يتم تدمير المدارس، يتم تدمير الآمال والأحلام كذلك."

وقالت الباحثة في جامعة بيرزيت خلود ناصر في "ورقة سياسات" نشرتها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية": صنفت مجموعة بيانات مواقعِ النزاع المسلح وأحداثه (ACLED) هذه الحرب ضمن المراكز الثلاثة الأولى من حيث مستوى أعمال العنف، ومستوى الخطر على المدنيين، ومدى انتشاره (ACLED, 2024). واعتبرتها الإسكوا، في تقرير أصدرته بعد مئة يوم، الحرب الأعنف في القرن الواحد والعشرين، إذ لم يشهد أي نزاع مسلح آخر تأثيراً مدمراً على السكان ضمن هذا الإطار الزمني (ESCWA, 2024). ويعد استهداف الأطفال من أبرز مظاهر وحشية هذه الحرب، إذ اعتبرت الأمم المتحدة، بحسب تعبير أمينها العام، أن غزة أصبحت "مقبرة للأطفال" (UNICEF, 2023). ويشكل الأطفال 47.3% من سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون، يُقتَل واحد منهم كل 10 دقائق (Hagopian, 2023).

وتضيف: تزامنت الحرب على غزة مع بدايات العام الدراسي 2023/2024 الذي تعطل بشكل تام، ولا يزال مصيره مجهولاً. وفي إثر ذلك، فقد أكثر من 620,000 طالب وطالبة إمكان الوصول إلى التعليم (وزارة التربية والتعليم، 2024). وبعد أكثر من عشرة أشهر على الحرب، فقد الطلبة العام الدراسي، ولا تزال الحرب مستمرة. وفي الضفة الغربية والقدس، وفي أعقاب الحرب على غزة، تأثر ما لا يقل عن 782,000 طالب بالقيود المفروضة على الحركة وعنف المستوطنين والقوات الإسرائيلية (UNRWA, 2024)، واستشهد 46 طالباً، وأصيب 294 طالباً بجراح مختلفة (وزارة التربية والتعليم، 2024). وكان عام 2023 العام الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ عام 2005 (UNRWA, 2024).(1)

تاريخ من استهداف التعليم

قد يبدو الوضع الراهن لـ "الإبادة التعليمية" في قطاع غزة جديداً، لكن بنظرة متفحصة لتاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، يمكن التأكد أن هذه الإبادة مستمرة منذ سنة 1948. مثلاً، أصدر الاحتلال الإسرائيلي أمرًا عسكريًّا حمل الرقم  "854" لعام 1980، والذي جعل كل الشؤون الفلسطينية، بما فيها التعليم، تحت سلطة "الحاكم العسكري"، فمنح بذلك التحكم في عمليتي تسجيل الطلبة وتعيين الموظفين. وفي الانتفاضة الأولى، أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المنشآت التعليمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فأغلقت على سبيل المثال لا الحصر، جامعة بيرزيت بين عامي 1988 حتى 1992، بعد أن أغلقها لأول مرة سابقاً 15 يوماً عام 1970، واستتبعها بسلسلة إغلاقات أخرى منها ما وصل إلى 120 يوماً. ومثلها جامعة النجاح الوطنية التي أغلقت لأربع سنوات، والجامعة الإسلامية، وباقي جامعات فلسطين. إلا أن الجامعات في تلك المرحلة، استأنفت عمليتها التعليمية في البيوت، وفي بعض المقرات. ولاحقاً مع إعادة افتتاح الجامعات، استمرت إسرائيل بسيطرتها، ومحاولات التحكم، فمرة يقتحم جنود من جيش الاحتلال أحرام الجامعات، ومرة يعيق استقدام الجامعات مدرسين من دول العالم، ومرة يرفض تمديد تأشيرات أعضاء هيئة التدريس الدوليين، فضلاً عن منع وتعقيد وصول الفلسطينيين الحاملين لجنسيات أجنبية من العودة والتدريس داخل فلسطين.

ولا تتوقف محاولات الاحتلال السيطرة على التعليم بما سبق فقط، فدائماً ما يحاول الاحتلال، التدخل في المناهج في المدارس الفلسطينية، وإزالة كل ما يعتبره محرضاً على "العنف" أو "الإرهاب"، وفرض رواية جديدة، يريد أن تلقن للأجيال الفلسطينية، فيعمد إلى الإشارة والتحريض لدى الدول الداعمة للسلطة الفلسطينية ووكالة الأونروا، إلى صفحات أو عبارات تشير إلى المدن الفلسطينية قبل النكبة مثلاً، وهذا أدى إلى طلب الاتحاد الأوروبي من السلطة الفلسطينية إحداث تغييرات في مناهجها الدراسية. وكذلك "الأونروا" بسبب الضغوط الإسرائيلية والأميركية، أوقف تعليم جغرافيا وتاريخ فلسطين في مدارسها، ومنعت وضع خريطة فلسطين في منشآتها التي تظهر عليها قرى ومدن اللاجئين الفلسطينيين. هذا فضلاً عن محاولة فرض المناهج الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة، تحديداً في المدارس التابعة لبلدية القدس. 

ولم تقتصر هجمات الاحتلال على التعليم في فلسطين الانتدابية، إنما طالت التعليم والمدارس في أكثر من دولة عربية كلبنان ومصر. 

ففي 8 نيسان/أبريل 1970، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجوماً بالصواريخ على مدرسة بحر البقر الإبتدائية التابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية بمصر، فاستشهد إثرها 30 طفلاً على الأقل، وإصابة العشرات، وتشويه عدد كبير منهم، عدا عن تدمير مبنى المدرسة بالكامل. وفي لبنان، خلال اجتياح عام 1982 قصف الطيران الإسرائيلي روضة غسان كنفاني في مخيم برج البراجنة، وهي أول روضة في المخيم، تأسست عام 1974، ما أسفر عن استشهاد عدد من أطفال الروضة. وخلال الاجتياح ذاته، وحصار بيروت تم تدمير 85 مدرسة تابعة للأونروا. 

إن الاستهداف الحالي لقطاع التعليم في فلسطين، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، سيترك آثاره الكارثية والطويلة على المسيرة التعليمية ككل. فمن جانب، فقد طلبة قطاع غزة عاماً دراسياً كاملاً، ومن المتوقع أن يفقدوا عاماً آخر على الأقل. ومن جانب آخر، التعليم في قطاع غزة تحديداً يحتاج إلى حلول سريعة، بدأت بعض المؤسسات والمنظمات الدولية، تقديم اقتراحات في هذا الصدد.

المراجع: 

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

جامعة بيرزيت 

موقع الأمم المتحدة 

وكالة "وفا"

شبكة "الجزيرة"